إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 3 أغسطس 2015

الفوضى الخلاقة

الفوضى الخلاقة

يعتقد بعض المنظرين أن الفوضى الخلاقة ليست مجرد طيش مهتز، بل هي شكل خفي من النظام. حسب إعتقادهم تعتبر نظرية الفوضى المحرك الخفي لمسألة الإبداع. يعتبرون أنه في الحقيقة لا وجود للفوضى، مايعتقدونه أنها مستوى أخر من النظام والإنتظام، متداخلة في النظام ذاته.  ويقولون بأن الإنتظام والعمل الإبداعي لا يمكن أن يسيران جنبا إلى جنب. يقولون أن الفوضى كفيلة بالإنتظام المنظم الأكثر إنتظاما وعدلا وصحة وحقيقة  وهي أبقى من النظام.
  كما أن العاملين في مجال الإبداع يفضلون بيئة فوضوية تحيط بهم وبإبداعهم. يقول أحدهم أن العمل الإبداعي يبدأ على شكل عمل تدميري. كما يقول بعض الطهاة: لا يمكن صنع عجة البيض دون أن يكسر بعض البيض، وهم يعنون بذلك أنه لا بد للإبداع من فوضى. ويقول أحد النحاتين، لا بد أن يحطم كثير من الحجارة من أجل الخروج بتمثال واحد مقبول. ويقول أحد المبرمجين:يحتاج البرنامج الناجح الكثير من البرمجة و إعادة البرمجة والمسح والخطا والصواب والفوضى والكثير من القهوة والشاي وشكل مدمر لمكتب المبرمج لكي ينجز بشكل إحترافي ولا يمكن أن ينجز بغير ذلك.
إذن الظاهرة موجودة في بيئة الإبداع أصلا. وما أن تنتزع لا يمكن أن يكون هنالك إبداع مطلقاً. وعليه ينعدم التطوير والإنجاز ويكتفى بتتبع ما كان عليه أباءنا، حتى وإن كانوا لا يفقهون شيئا ولا يعقلون، دون أن يجدد أحد شيء أبدا.لا بد من وجود إبداع حي، حتى في أشد الأنظمة إنتظاما وأعتاها ظلاما، وأقساها قلباً. يعتمد كل شيء على الإبداع، السيارة، الطائرة، البيت، هذا المكيف الذي يضرب على رأسي وهذا الكوب الذي في يدي وهذه القهوة الذيذة، كلها إبداعات بشرية تدل على عظمة الذي خلق الإنسان وإستخلفه في الأرض وأمره بأن يعمرها. قد يقول أحد: هل يستطيع الإنسان أن يعمر الأرض بإتباع نسق واحد لا يحيد عنه أبدا. الإجابة يمكن له ذلك لكن لن يكون فيها أي إبداع، بل ستكون نسخة مكررة لما سبقها من تكرر، ونسخة أخرى مكررة لما سبقها من تكرر. إلا أن يرفع الله عن الإنسان السأم والملل.
ما يعنينا في كل هذا العرض مسألة الإبداع في بيئة العمل وإلى أي مدى يمكن السماح بها. إذ أن الموظفين يفضلون دائما طرقهم الخاصة في إنجاز المهام ولو إتبعوا الإجراءات المكتوبة لقضوا ردحا من وقتهم في إنجاز تلك المهام. فهل على المشرف أن يتبع الإجراءات أم يتبع الفوضى الخلاقة. أم يبقى على مسافة واحدة من الأثنين.
الإجابة تعتمد على سياسة المنشأة في هذا الأمر. فقد تعمل مشرفا لدى شركة إبداعية تعتمد الفوضى الخلاقة سياسة لها. وقد تعمل لدى شركة تصر سياساتها على رتابة الأمور في سلم متعبٍ، مملٍ، مزهقٍ، ومرهق. المشرف يجب عليه إتباع مايريدون، كما يقول أحدهم: إعقل الجمل في المكان الذي يريده صاحبه، دون أن تبدع في شد وثاقه، لأن صاحبه يريد ذلك، وأنت من يجب أن ينفذ ما يريد صاحب الجمل. فكن حريصا على إتباع إجراءات ربط الجمل محترسا من أن توثقه بطريقة غير مطابقة لما يجب أن يكون على الوثاق.
لكن مهما كانت الأمور صارمة وعمياء، هنالك متسع من الوقت لسماح لشيء من الإبداع في إنجاز العمل. الموظفون لا يلتزمون أبدا بسياسة الشركات، ودائما ما يصنعون لأنفسهم طرقا تختصر الوقت والجهد. فلماذا لا يلتزمون. عادة سياسات الشركات تألف من قبل أشخاص لا يعدون عن كونهم أشخاصا يملكون صلاحية وضع هذه السياسات ليس إلا. بينما الموظفون هم اللذين يتلقون هذه العصي ولا يساهمون في عدها. فهم أعلم بإيلامها لهم ولعملائهم. هم دائما الأقرب للعميل والأعرف بتفضيلاته وبحاجاته والأقدر من جميع موظفي الشركة الكبار على تلبيتها وإنجازها في الوقت المحدد، وبالطريقة الصحيحة. فلا تكن خشنا صلبا جامدا متيبسا. بل كن في الوسط دائما. فمسؤليتك تتكون من أمرين، إرضاء المدير وإرضاء الموظف من ناحية وإرضاء العميل من ناحية أخرى، وهدفك الرئيسي هو رضى العميل دون أن تخسر أحد من موظفيك أو قادتك، فطالما أن العمل يسير على قدم وساق ومطابق للمواصفات والمقاييس والعميل راض عنه غير غضبان فلا بد من السماح لقليل من الإبداع في إنجازه لقتل الملل الذي يصيب الموظف الذي هو من يجعل أرقام كبار الإداريين حقيقة وعليها دليل واضح لا يقبل اللبس أو الشك.
ضيف الله الخالدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق