إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

السبت، 25 يوليو 2015

صناعة التبرير

صناعة التبرير


حدثني مشرف أمني فقال:كان لدي حارس أمن مسكين-ورع-تقي، لا يدع صلاة تفوته، فكلما أذن المؤذن ترك ما في يده وذهب للمسجد يذكر الله ويسبحه حتى يأتي الإمام فيصلى خلفة ويبقى بعد الصلاة يذكر الله ويسبحه.

لكن هذا الموظف كثير الأعذار فيوما يتأخر عن الدوام ويوما لا يأتي اليه أصلا. فيوم يدعي موت أبيه، ويوما يدعي موت أخته، ويوم يدعي موت جدته. وفي كل مرة يتفهم المشرف وضعه ويعذره حتى طفح الكيل.

فغير المشرف سياسته مع هذا الحارس، ففي كل مرة تأخر فيها  أو غاب عن عمله، جعله يكتب على ورقة سبب الغياب أو التأخر وتاريخه ووقته. حتى اجتمع لدى المشرف من الأوراق ما يكفي لملء صندوق.

ثم غير سياسته مجددا مع هذا الحارس، ففي كل مرة تأخر فيها أو غاب عن عمله، إتخذ معه إجراء تصحيح بتاريخ ووقت المشكلة. حتى جمع ما يكفي لإقالته من عملة.

ثم يوما ما رفع أوراقه لمدير الحراسات طالبا وموصيا بإقالته من عملة للأسباب المرفقة. ففصل الموظف، وحرم من متابعة إعالته لإسرته. مما دعى المشرف لذهاب لسؤال عنه، شاعرا بذنب إتجاهه. فلما سأل عنه في حارته وجد إجابات مقززة عن سيرة هذا الرجل، فوجده سكيرا ويأتي المنكر في بيته ولا يذهب لمسجد حارته أبدا. فلما طرق الباب، وخرج ذلك الموظف لفتحه، رأى المشرف ما لا يسر عدو ولا صديق. فعرف المشرف أنه كان على غير هدى عندما رحم ضعفه وتركه يبرر و يسوغ كل تلك المشاكل التي تسبب بها عندما يتغيب عن عمله ويتأخر.

تعلم هذا المشرف درسا، أن الموظفين ليسو سواء في مسألة رغبتهم بالقدوم للعمل، فمنهم من احترف صناعة التبرير حتى أتقنها واستخدمها في خداع رؤساءه وتسويغ أخطاه الكثيرة. ومنهم من احترف القدوم المبكر بنفس راضية وعقل وقلب مفتوح، وصدر وسيع. ومنهم من احترف القدوم بجسده، فهو دائما موجود حيث يراد له التواجد وقلبه وعقله وطاقاته وامكاناته في مكان أخر غير مكان العمل.

تعلم هذا المشرف درس، مفاده أنه يجب أن يتعامل مع الموظفين على أنهم موظفين وليسوا عبادا وزهادا وتقاة ومن أهل الله. وتعلم أن يقف على مسافة واحدة من موظفيه، فلا يغض الطرف عن هذا لتقواه و يمعن النظر في هذا لعدم ذهابه للمسجد وقت الصلاة.
المشرف المحترف دائما وأبدا يقف على مسافة واحدة من موظفيه فلا يحابي أحد على أحد. النظام عنده هو النظام ولا يكيل بمكاييل شتى، المكيال واحد لجيع موظفيه.

المشرف الفذ لا يعطي أي فرصة لإستهداف الجودة  أو إهمال الإتساق في العمل أو يتقاضي عن الإتقان في الإداء. فهو يعطي كل موظف ما يستحقه سواء كان ثوابا أو عقابا. ويتبع سياسات التصحيح المتبعة في منشأته إتباعا حرفيا، ويلتزم بسياسات التحفيز كما هي.

المشرف المحترم لا يخفي شيئا عن مديره فيما يخص عمليات الإنتاج التي يعمل عليها مهما كانت سيئة ومهما كانت مفرحة. فهو يخبر مديره بكل صغيرة وكبيرة تؤثر على الإنتاج سلبا أو إيجابا. فهو دائما يستفيد من تقنيات التواصل فهو يراسل مديره بكل التقنيات المتاحة له و دائما ما يضع مديرة في صورة الإنتاج. فهو شفاف وشديد الشفافية مع مديره ويطلعه على كل شيء.

الإشراف احتراف وليس عبثا بمقدرات المنشأة. على المشرف أن يعلم ويتعلم أن المنشأة ليست ملكا لأبيه، وليست سيارة فارهة إشترتها له أمه ليمضي أوقات ممتعة معها وعليها. وقت المشرف مدفوع ثمنه وليس مساعدة مجانية يرغب المشرف بإعطائها لتلك المنشأة، بل هو  أمانه ويجب أن يقضيه كله في الإنتاج وليس شيئا آخر غير الإنتاج إلا لحظات تسمح بها المنشأة لشحن همته وشحذ قواه.


ضيف الله الخالدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق